الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الجزء الثالث عشر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِ يَسِّرْ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: قَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ}، وَالْقَوْلُ الَّذِي نَخْتَارُهُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَهُنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}: بَيَّنَ حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ، وَرُشْدَهُ وَهُدَاهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ سَلَمَةَ الْفِلَسْطِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}، قَالَ: بَيَّنَ حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}، إِي وَاللَّهِ، لَمُبِينٌ، بَيَّنَ اللَّهُ هُدَاهُ وَرُشْدَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}، قَالَ: بَيَّنَ اللَّهُ رُشْدَهُ وَهُدَاهُ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الْكِتَابِ الْمُبِينِ} قَالَ: بَيَّنَ الْحُرُوفَ الَّتِي سَقَطَتْ عَنْ أَلْسُنِ الْأَعَاجِمِ وَهِيَ سِتَّةُ أَحْرُفٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ: هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، لِمَنْ تَلَاهُ وَتَدَبَّرَ مَا فِيهِ مِنْ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ وَنَهْيِهِ وَسَائِرِ مَا حَوَاهُ مِنْ صُنُوفِ مَعَانِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ"مُبِينٌ"، وَلَمْ يَخُصْ إِبَانَتَهُ عَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ دُونَ جَمِيعِهِ، فَذَلِكَ عَلَى جَمِيعِهِ، إِذْ كَانَ جَمِيعُهُ مُبِينًا عَمَّا فِيهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا أَنْزَلْنَا هَذَا الْكِتَابَ الْمُبِينَ، قُرْآنًا عَرَبِيًّا عَلَى الْعَرَبِ، لِأَنَّ لِسَانَهُمْ وَكَلَامَهُمْ عَرَبِيٌّ، فَأَنْزَلْنَا هَذَا الْكِتَابَ بِلِسَانِهِمْ لِيَعْقِلُوهُ وَيَفْقَهُوا مِنْهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ" يَا مُحَمَّدُ، "أَحْسَنَ الْقَصَصِ" بِوَحْيِنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ، فَنُخْبِرُكَ فِيهِ عَنِ الْأَخْبَارِ الْمَاضِيَةِ، وَأَنْبَاءِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا فِي الْعُصُورِ الْخَالِيَةِ {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلِ أَنْ نُوحِيهِ إِلَيْكَ لِمَنَ الْغَافِلِينَ عَنْ ذَلِكَ، لَا تَعْلَمُهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} مِنَ الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ وَأُمُورِ اللَّهِ السَّالِفَةِ فِي الْأُمَمِ {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَسْأَلَةِ أَصْحَابِهِ إِيَّاهُ أَنْ يَقُصَّ عَلَيْهِمْ.
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ الرَّازِّيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرٍو الْمُلَائِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سَيَّارٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «مَلَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَّةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا! فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 23]. ثُمَّ مَلُّوا مَلَّةً أُخْرَى فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا فَوْقَ الْحَدِيثِ وَدُونَ الْقُرْآنِ! يُعَنْوِنُ الْقِصَصَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}، فَأَرَادُوا الْحَدِيثَ فَدَلَّهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْحَدِيثِ، وَأَرَادُوا الْقَصَصَ فَدَلَّهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْقَصَص». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَلَّادٌ الصَّفَارُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، [عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ]، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: «أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، قَالَ: فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنَا! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}، إِلَى قَوْلِهِ: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، الْآيَةَ. قَالَ: ثُمَّ تَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ حَدَّثْتَنَا! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 23]، قَالَ خَلَّادٌ: وَزَادَ فِيهِ رَجُلٌ آخَرُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ قَالَ أَبُو يَحْيَى: ذَهَبَتْ مِنْ كِتَابِي كَلِمَةٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 16]».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنْ كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ، لَمِنَ الْغَافِلِينَ عَنْ نَبَأِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ: {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا}؛ يَقُولُ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي مَنَامِي أَحَدَ عَشْرَ كَوْكَبًا. وَقِيلَ: إِنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ وَحْيًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}، قَالَ: كَانَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيًا. وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا}، قَالَ: كَانَتِ الرُّؤْيَا فِيهِمْ وَحْيًا. وَذُكِرَ أَنَّ الْأَحَدَ الْعَشْرَ الْكَوْكَبَ الَّتِي رَآهَا فِي مَنَامِهِ سَاجِدَةً مَعَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، مَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ يُقَالُ لَهُ" بَسْتَانَةُ الْيَهُودِيُّ "، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَآهَا يُوسُفُ سَاجِدَةً لَهُ، مَا أَسْمَاؤُهَا؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِئِيلُ وَأَخْبَرَهُ بِأَسْمَائِهَا. قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ مُؤْمِنٌ إِنْ أَخْبَرْتُكَ بِأَسْمَائِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ! فَقَالَ: جرْبَان وَالطارقُ، وَالذيالُ، وَذُو الْكَنَفَاتِ، وقَابِس، وَوَثاب وعمودَان، وَالفليق، وَالْمصبح، وَالضَّرُوحُ، وَذُو الْفَرْغِ، وَالضِّيَاءُ، وَالنُّورُ". فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَأَسْمَاؤُهَا! وَقَوْلُهُ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} يَقُولُ: وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ رَأَيْتُهُمْ فِي مَنَامِي سُجُودًا. وَقَالَ" سَاجِدِينَ", وَالْكَوَاكِبُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إِنَّمَا يُخْبِرُ عَنْهَا ب"فَاعِلَةٍ" وَ"فَاعِلَاتٍ" لَا بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، [لِأَنَّ الْوَاوَ وَالنُّونَ] إِنَّمَا هِيَ عَلَامَةُ جَمْعِ أَسْمَاءِ ذُكُورِ بَنِي آدَمَ، أَوِ الْجِنِّ، أَوِ الْمَلَائِكَةِ. وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ "السُّجُودَ" مِنْ أَفْعَالِ مَنْ يُجْمَعُ أَسْمَاءُ ذُكُورِهِمْ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، أَوِ الْوَاوِ وَالنُّونِ، فَأَخْرَجَ جَمْعَ أَسْمَائِهَا مَخْرَجَ جَمْعِ أَسْمَاءِ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، كَمَا قِيلَ: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ}، [سُورَةُ النَّمْلِ: 18]. وَقَالَ: "رَأَيْتُهُمْ" وَقَدْ قِيلَ": إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا"، فَكَرَّرَ الْفِعْلَ، وَذَلِكَ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: "كَلَّمْتُ أَخَاكَ كَلَّمْتُهُ"، تَوْكِيدًا لِلْفِعْلِ بِالتَّكْرِيرِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْكَوَاكِبَ الْأَحَدَ عَشَرَ كَانَتْ إِخْوَتَهُ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أَبَوَيْهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: " {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} إِخْوَتَهُ، أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا" وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ"، يَعْنِي بِذَلِكَ: أَبَوَيْهِ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: "إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ"... الْآيَةَ، قَالَ: رَأَى أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتَهُ سُجُودًا لَهُ فَإِذَا قِيلَ لَهُ: عَمَّنْ؟ قَالَ إِنْ كَانَ حَقًّا، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَّرَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ" {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} " قَالَ: الْكَوَاكِبُ: إِخْوَتُهُ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ: أَبَوَاهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: " إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا" إِخْوَتَهُ "وَالشَّمْسَ"، أُمَّهُ"وَالْقَمَرَ" أَبُوهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ، قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتَهُ حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، قَوْلُهُ: " إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا" هُمْ إِخْوَةُ يُوسُفَ " وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ"، هُمَا أَبَوَاهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: "يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا" الْآيَةَ، قَالَ: أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ. قَالَ: فَنَعَاهُ إِخْوَتُهُ، وَكَانُوا أَنْبِيَاءَ، فَقَالُوا: مَا رَضِيَ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ إِخْوَتُهُ حَتَّى سَجَدَ لَهُ أَبَوَاهُ! حِينَ بَلَّغَهُمْ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ": الْكَوَاكِبُ" إِخْوَتُهُ، "وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ"، أَبُوهُ وَخَالَتُهُ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ مَحْمُودٍ، فَكَرِهَتْ ذِكْرَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ذِكْرِهِ قَالَ: يَعْقُوبُ لِابْنِهِ يُوسُفَ: " يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ"، هَذِهِ، "عَلَى إِخْوَتِكَ"، فَيَحْسُدُوكَ "فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا"، يَقُولُ: فَيَبْغُوكَ الْغَوَائِلَ، وَيُنَاصِبُوكَ الْعَدَاوَةَ، وَيُطِيعُوا فِيكَ الشَّيْطَانَ. {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لِآدَمَ وَبَنِيهِ عَدُوٌّ، قَدْ أَبَانَ لَهُمْ عَدَاوَتَهُ وَأَظْهَرَهَا. يَقُولُ: فَاحْذَرِ الشَّيْطَانَ أَنْ يُغْرِيَ إِخْوَتَكَ بِكَ بِالْحَسَدِ مِنْهُمْ لَكَ، إِنْ أَنْتَ قَصَصْتَ عَلَيْهِمْ رُؤْيَاكَ. وَإِنَّمَا قَالَ يَعْقُوبُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ إِخْوَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ حَسَدًا، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: نَزَلَ يَعْقُوبُ الشَّأْمَ، فَكَانَ هَمُّهُ يُوسُفَ وَأَخَاهُ، فَحَسَدَهُ إِخْوَتَهُ لَمَّا رَأَوْا حُبَ أَبِيهِ لَهُ. وَرَأَى يُوسُفُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَآهُمْ لَهُ سَاجِدِينَ، فَحَدَّثَ بِهَا أَبَاهُ فَقَالَ: {يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} الْآيَةَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِيوَجْهِ دُخُولِ "اللَّامِ" فِي قَوْلِهِ {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَاهُ: فَيَتَّخِذُوا لَكَ كَيْدًا وَلَيْسَتْ مِثْلَ: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 43] تِلْكَ أَرَادُوا أَنْ يُوصِلَ الْفِعْلَ إِلَيْهَا بِاللَّامِ، كَمَا يُوصِلُ بِالْبَاءِ، كَمَا تَقُولُ: "قَدَّمْتُ لَهُ طَعَامًا"، تُرِيدُ قَدَّمْتُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ}، [سُورَةُ يُوسُفَ: 48] وَمِثْلَهُ قَوْلُهُ: {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} [سُورَةُ يُونُسَ: 35] قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ كَانَ: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}، فِي مَعْنَى: "فَيَكِيدُوكَ"، وَتَجْعَلُ اللَّامَ مِثْلَ: {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 154] وَقَدْ قَالَ"لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ" إِنَّمَا هُوَ بِمَكَانِ: "رَبَّهُمْ يَرْهَبُونَ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُدْخِلَتِ اللَّامُ فِي ذَلِكَ، كَمَا تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِمْ: "حَمِدْتُ لَكَ" وَ"شَكَرْتُ لَكَ"، وَ"حَمِدْتُكَ" وَ"شَكَرْتُكَ". وَقَالَ: هَذِهِ لَامٌ جَلَبَهَا الْفِعْلُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} تَقُولُ: فَيَكِيدُوكَ، أَوْ: يَكِيدُوا لَكَ، فَيَقْصِدُوكَ، وَيَقْصِدُوا لَكَ، قَالَ: وَ"كَيْدًا": تَوْكِيدٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَكَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، مُخْبِرًا عَنْ قَيْلِ يَعْقُوبَ لِابْنِهِ يُوسُفَ، لَمَّا قَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} وَهَكَذَا يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ. يَقُولُ: كَمَا أَرَاكَ رَبُّكَ الْكَوَاكِبَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَكَ سُجُودًا، فَكَذَلِكَ يَصْطَفِيكَ رَبُّكَ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو الْعَنْقَزِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ}، قَالَ: يَصْطَفِيكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}، فَاجْتَبَاهُ وَاصْطَفَاهُ وَعَلَّمَهُ مِنْ عَبْرِ الْأَحَادِيثِ، وَهُوَ" تَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ ". وَقَوْلُهُ: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} يَقُولُ: وَيُعَلِّمُكَ رَبُّكَ مِنْ عِلْمِ مَا يُؤَوَّلُ إِلَيْهِ أَحَادِيثُ النَّاسِ، عَمَّا يَرَوْنَهُ فِي مَنَامِهِمْ. وَذَلِكَ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} قَالَ: عِبَارَةُ الرُّؤْيَا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}، قَالَ: تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ. وَكَانَ يُوسُفُ أَعْبَرَ النَّاسِ، وَقَرَأَ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}. [سُورَةُ يُوسُفَ: 22]. وَقَوْلُهُ: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بِاجْتِبَائِهِ إِيَّاكَ، وَاخْتِيَارِهِ، وَتَعْلِيمِهِ إِيَّاكَ تَأْوِيلَ الْأَحَادِيثِ {وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} يَقُولُ: وَعَلَى أَهْلِ دِينِ يَعْقُوبَ، وَمِلَّتِهِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَغَيْرِهِمْ {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ}، بِاتِّخَاذِهِ هَذَا خَلِيلًا وَتَنْجِيَتِهِ مِنَ النَّارِ، وَفِدْيَةِ هَذَا بِذَبْحٍ عَظِيمٍ، كَالَّذِي:- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} قَالَ: فَنِعْمَتُهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ أَنْ نَجَّاهُ مِنَ النَّارِ، وَعَلَى إِسْحَاقَ أَنْ نَجَّاهُ مِنَ الذَّبْحِ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يَقُولُ: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ} بِمَوَاضِعِ الْفَضْلِ، وَمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلِاجْتِبَاءِ وَالنِّعْمَةِ "حَكِيمٌ" فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} الْأَحَدَ عَشَرَ (آيَاتٍ) يَعْنِي: عِبَرٌ وَذِكْرٌ (لِلسَّائِلَيْنِ) يَعْنِي السَّائِلِينَ عَنْ أَخْبَارِهِمْ وَقِصَصِهِمْ. وَإِنَّمَا أَرَادَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّمَا أَنْزَلَ هَذِهِ السُّورَةَ عَلَى نَبِيِّهِ، يُعْلِمْهُ فِيهَا مَا لَقِيَ يُوسُفُ مِنْ أَدَانِيهِ وَإِخْوَتِهِ مِنَ الْحَسَدِ، مَعَ تَكْرُمَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ، تَسْلِيَةً لَهُ بِذَلِكَ مِمَّا يَلْقَى مِنْ أَدَانِيهِ وَأُقَارِبِهِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ. كَذَلِكَ كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: إِنَّمَا قَصَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى مُحَمَّدٍ خَبَرَ يُوسُفَ، وَبَغْيِ إِخْوَتِهِ عَلَيْهِ وَحَسَدِهِمْ إِيَّاهُ، حِينَ ذَكَرَ رُؤْيَاهُ، لِمَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَغْيِ قَوْمِهِ وَحَسَدَهُ حِينَ أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِنُبُوَّتِهِ، لِيَأْتَسِيَ بِهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرْأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ}. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ"آيَاتٌ" عَلَى الْجَمَاعِ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُمَا قَرَآ ذَلِكَ عَلَى التَّوْحِيدِ. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ عَلَى الْجَمَاعِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأَةِ عَلَيْهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِمَنْ سَأَلَ عَنْ شَأْنِهِمْ حِينَ قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} مِنْ أُمِّهِ {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ}، يَقُولُونَ: وَنَحْنُ جَمَاعَةُ ذَوُو عَدَدٍ، أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا. وَ "العُصْبَةُ" مِنَ النَّاسِ، هُمْ عَشْرَةٌ فَصَاعِدًا، قِيلَ: إِلَى خَمْسَةَ عَشْرَ، لَيْسَ لَهَا وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهَا، كَالنَّفَرِ وَالرَّهْطِ. {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، يَعْنُونَ: إِنَّ أَبَانَا يَعْقُوبَ لَفِي خَطَأٍ مِنْ فِعْلِهِ، فِي إِيثَارِهِ يُوسُفَ وَأَخَاهُ مِنْ أُمِّهِ عَلَيْنَا بِالْمَحَبَّةِ وَيَعْنِي ب "المُبِينٍ": أَنَّهُ خَطَأٌ يَبِينُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ خَطَأٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا}، قَالَ: يَعْنُونَ بِنْيَامِينَ. قَالَ: وَكَانُوا عَشْرَةً. قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، قَالَ: فِي ضَلَالٍ مِنْ أَمْرِنَا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ}، قَالَ: "العُصْبَةٌ"، الْجَمَاعَةُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ فِي أَرْضٍ مِنَ الْأَرْضِ، يَعْنُونَ مَكَانًا مِنَ الْأَرْضِ {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} يَعْنُونَ: يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ مِنْ شَغْلِهِ بِيُوسُفَ، فَإِنَّهُ قَدْ شَغَلَهُ عَنَّا، وَصَرَفَ وَجْهَهُ عَنَّا إِلَيْهِ {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}، يَعْنُونَ أَنَّهُمْ يَتُوبُونَ مِنْ قَتْلِهِمْ يُوسُفَ، وَذَنْبِهِمُ الَّذِي يَرْكَبُونَهُ فِيهِ، فَيَكُونُونَ بِتَوْبَتِهِمْ مِنْ قَتْلِهِ مِنْ بَعْدِ هَلَاكِ يُوسُفَ قَوْمًا صَالِحِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}، قَالَ: تَتُوبُونَ مِمَّا صَنَعْتُمْ، أَوْ: مِنْ صَنِيعِكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَائِلٌ مِنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ: {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ}. وَقِيلَ: إِنَّ قَائِلَ ذَلِكَ" روبيْل "، كَانَ ابْنَ خَالَةِ يُوسُفَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ رُوبَيْلٌ، كَانَ أَكْبَرَ الْقَوْمِ، وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ يُوسُفَ، فَنَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {اقْتُلُوا يُوسُفَ}، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}، قَالَ: ذُكِرَ لِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ" رُوبَيْلٌ "، الْأَكْبَرَ مِنْ بَنِي يَعْقُوبَ، وَكَانَ أَقْصَدُهُمْ فِيهِ رَأْيًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} قَالَ: كَانَ أَكْبَرَ إِخْوَتِهِ، وَكَانَ ابْنَ خَالَةِ يُوسُفَ، فَنَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِهِ. وَقِيلَ: كَانَ قَائِلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ" شَمْعُونَ ".
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} قَالَ: هُوَ شَمْعُونُ. وَقَوْلُهُ: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} يَقُولُ وَأَلْقُوهُ فِي قَعْرِ الْجُبِّ، حَيْثُ يَغِيبُ خَبَرُهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرْأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: (غَيَابَاتِ الْجُبِّ) عَلَى الْجَمَاعِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ سَائِرِ الْأَمْصَارِ: {غَيَابَةِ الْجُبِّ} بِتَوْحِيدِ "الغَيَابَةِ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقِرَاءَةُ ذَلِكَ بِالتَّوْحِيدِ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَ "الجُبُّ": بِئْرٌ. وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ بِئْرِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: فِي: {غَيَابَةِ الْجُبِّ}، يَقُولُ: بِئْرٌ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {غَيَابَةِ الْجُبِّ} قَالَ: بِئْرٌ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَالْغَيَابَةُ: كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ شَيْئًا فَهُوَ"غَيَابَةٌ" وَ "الجُبُّ"، الْبِئْرُ غَيْرُ الْمَطْوِيَّةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي: {غَيَابَةِ الْجُبِّ}، فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا: فِي أَسْفَلِهَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ}، يَقُولُ: فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} قَالَ: قَالَهَا كَبِيرُهُمُ الَّذِي تَخَلَّفَ. قَالَ: وَ "الجُبُّ"، بِئْرٌ بِالشَّأْمِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} يَعْنِي: الرَّكِيَّةُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: "الجُبُّ": الْبِئْرُ. وَقَوْلُهُ: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} يَقُولُ: يَأْخُذُهُ بَعْضُ مَارَّةِ الطَّرِيقِ مِنَ الْمُسَافِرِينَ {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}، يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ مَا أَقُولُ لَكُمْ. فَذَكَرَ أَنَّهُ الْتَقَطَهُ بَعْضُ الْأَعْرَابِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ}، قَالَ: الْتَقَطَهُ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ. وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ(تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) بِالتَّاءِ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، عَنِ الْحَسَنِ. وَكَأَنَّ الْحَسَنَ ذَهَبَ فِي تَأْنِيثِهِ"بَعْضُ السَّيَّارَةِ" إِلَى أَنَّ فِعْلَ بَعْضِهَا فِعْلُهَا. وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي خَبَرِ كَانَ عَنْ مُضَافٍ إِلَى مُؤَنَّثٍ، يَكُونُ الْخَبَرُ عَنْ بَعْضِهِ خَبَرًا عَنْ جَمِيعِهِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: أَرَى مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي *** كَمَا أَخَذَ السِّرَارُ مِنَ الْهِلَالِ فَقَالَ: "أَخَذْنَ مِنِّي"، وَقَدِ ابْتَدَأَ الْخَبَرُ عَنِ "المَرِّ"، إِذْ كَانَ الْخَبَرُ عَنِ "المَرِّ"، خَبَرًا عَنِ "السِّنِينَ"، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ: إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ قَامَ سَيِّدٌ *** فَدَانَتْ لَهُ أَهْلُ الْقُرَى وَالْكَنائِسِ فَقَالَ: "دَانَتْ لَهُ"، وَالْخَبَرُ عَنْ أَهْلِ الْقُرَى، لِأَنَّ الْخَبَرَ عَنْهُمْ كَالْخَبَرِ عَنِ الْقُرَى. وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَقِلْ: " فَدَانَتْ لَهُ غُلَامُ هِنْدٍ"، لِأَنَّ "الغُلَامَ" لَوْ أُلْقِيَ مِنَ الْكَلَامِ لَمْ تَدُلْ"هِنْدٌ" عَلَيْهِ، كَمَا يَدُلُّ الْخَبَرُ عَنْ "القَرْيَةِ" عَلَى أَهْلِهَا. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ": فَدَانَتْ لَهُ الْقُرَى"، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ أَهْلِهَا. وَكَذَلِكَ"بَعْضُ السَّيَّارَةِ"، لَوْ أُلْقِيَ الْبَعْضُ، فَقِيلَ: تَلْتَقِطُهُ السَّيَّارَةُ، عُلِمَ أَنَّهُ خَبَرٌ عَنِ الْبَعْضِ أَوِ الْكُلِّ، وَدَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ عَنْ "السَّيَّارَةِ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ، إِذْ تَآمَرُوا بَيْنَهُمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهِ يَعْقُوبِ، لِوَالِدِهِمْ يَعْقُوبُ: {يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} فَتَتْرُكُهُ مَعَنَا إِذَا نَحْنُ خَرَجْنَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ إِلَى الصَّحْرَاءِ {وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ}، نَحُوطُهُ وَنَكْلَؤُهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ)، بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ"يَرْتَعْ"، وَبِالْيَاءِ فِي"يَرْتَعُ وَيَلْعَبُ"، عَلَى مَعْنَى: "يَفْتَعِلُ"، مِنْ "الرَّعْيِ": "ارْتُعِيَتُ فَأَنَا أَرْتَعِي"، كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَيَّ: أَرْسَلَهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعُ الْإِبِلَ وَيَلْعَبُ، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (أُرْسِلُهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ)، بِالْيَاءِ فِي الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا، وَتَسْكِينُ الْعَيْنِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: "رَتَعَ فُلَانٌ فِي مَالِهِ"، إِذَا لَهَا فِيهِ وَنَعِمَ وَأَنْفَقَهُ فِي شَهَوَاتِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلِهِمْ فِي مَثَلٍ مِنَ الْأَمْثَالِ: "القَيْدُ وَالرَّتَعَةُ"، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقُطَامِيُّ: أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي *** وَبَعْدَ عَطَائِكَ الْمِئَةَ الرِّتَاعَا وَقَرَأَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ (تَرْتَعْ) بِالنُّونِ (وَنَلْعَبْ) بِالنُّونِ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَسُكُونِ الْعَيْنِ مَنْ"نَرْتَعُ". حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، قَالَ: كَانَ أَبُو عَمْرٍو يَقْرَأُ(نَرْتَعْ وَنَلْعَبْ) بِالنُّونِ، قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي عَمْرٍو: كَيْفَ يَقُولُونَ" نَلْعَبُ"، وَهُمْ أَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: لَمْ يَكُونُوا يَوْمَئِذٍ أَنْبِيَاءَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا بِالْيَاءِ، وَبِجَزْمُ الْعَيْنَ فِي"يَرْتَعْ"، لِأَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا سَأَلُوا أَبَاهُمْ إِرْسَالَ يُوسُفَ مَعَهُمْ، وَخَدَعُوهُ بِالْخَبَرِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ، عَمَّا لِيُوسُفَ فِي إِرْسَالِهِ مَعَهُمْ مِنَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَالنَّشَاطِ بِخُرُوجِهِ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَفُسْحَتِهَا وَلَعِبِهِ هُنَالِكَ، لَا بِالْخَبَرِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. وَبِذَلِكَ أَيْضًا جَاءَ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}، يَقُولُ: يَسْعَى وَيَنْشَطُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} قَالَ: يَلْهُو، وَيَنْشَطُ وَيَسْعَى. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}، قَالَ: يَنْشَطُ وَيَلْهُو. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}، قَالَ: يَسْعَى وَيَلْهُو. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ، حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}، قَالَ: يَتَلَهَّى وَيَلْعَبُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}، قَالَ: يَتَلَهَّى وَيَلْعَبُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} قَالَ: يَنْشَطُ وَيَلْعَبُ. قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّىِّ: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} يَلْهُو. قَالَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ شَيَّبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}، قَالَ: يَنْشَطُ وَيَلْعَبُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا نُعَيِمُ بْنُ ضَمْضَمٍ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}، قَالَ: يَسْعَى وَيَنْشَطُ. وَكَأَنَّ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ ذَلِكَ: (يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ يَرْتَعْ، يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي:- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ، ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ) قَالَ: يَرْعَى غَنَمَهُ، وَيَنْظُرُ وَيَعْقِلُ، فَيَعْرِفُ مَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا:- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: (نَرْتَعِ)، بِحِفْظِ بَعْضِنَا بَعْضًا، نَتَكَالَّأُ نَتَحَارَسْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (نَرْتَعِ) قَالَ: يَحْفَظُ بَعْضُنَا بَعْضًا، نَتَكَالَّأُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِيِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِنَحْوِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا نَلْهُو وَنَلْعَبُ وَنَنْعَمُ، وَنَنْشَطُ فِي الصَّحْرَاءِ، وَنَحْنُ حَافِظُوهُ مِنْ أَنْ يَنَالَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ أَوْ يُؤْذِيَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ يَعْقُوبُ لَهُمْ: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ مَعَكُمْ إِلَى الصَّحْرَاءِ، مَخَافَةً عَلَيْهِ مِنَ الذِّئْبِ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ لَا تَشْعُرُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ لِوَالِدِهِمْ يَعْقُوبَ: لَئِنْ أَكَلَ يُوسُفَ الذِّئْبُ فِي الصَّحْرَاءِ، وَنَحْنُ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مَعَهُ نَحْفَظُهُ- وَهُمُ الْعُصْبَةُ- {إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ}، يَقُولُ: إِنَّا إِذًا لَعَجَزَةً هَالِكُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِِ تَعَالَى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ حُذِفَ ذِكْرُهُ، اكْتِفَاءً بِمَا ظَهَرَ عَمَّا تُرِكَ، وَهُوَ": فَأَرْسَلَهُ مَعَهُمْ"، {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا}، يَقُولُ: وَأُجْمِعَ رَأْيُهُمْ، وَعَزَمُوا عَلَى {أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ}. كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} الْآيَةَ، قَالَ، قَالَ: لَنْ أُرْسِلْهُ مَعَكُمْ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ}، فَأَرْسَلَهُ مَعَهُمْ، فَأَخْرَجُوهُ وَبِهِ عَلَيْهِمْ كَرَامَةٌ، فَلَمَّا بَرَزُوا بِهِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ أَظْهَرُوا لَهُ الْعَدَاوَةَ، وَجَعَلَ أَخُوهُ يَضْرِبُهُ، فَيَسْتَغِيثُ بِالْآخَرِ فَيَضْرِبُهُ، فَجَعَلَ لَا يَرَى مِنْهُمْ رَحِيمًا، فَضَرَبُوهُ حَتَّى كَادُوا يَقْتُلُونَهُ، فَجَعَلَ يَصِيحُ وَيَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ! يَا يَعْقُوبُ ! لَوْ تَعْلَمُ مَا صُنِعَ بِابْنِكَ بَنُو الْإِمَاءِ! فَلَمَّا كَادُوا يَقْتُلُونَهُ، قَالَ يَهُوذَا أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتُمُونِي مُوَثَّقًا أَنْ لَا تَقْتُلُوهُ؟ فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى الْجُبِّ لِيَطْرَحُوهُ، فَجَعَلُوا يُدْلُونَهُ فِي الْبِئْرِ فَيَتَعَلَّقُ بِشَفِيرِ الْبِئْرِ. فَرَبَطُوا يَدَيْهِ، وَنَزَعُوا قَمِيصَهُ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهُ! رُدُّوا عَلَيَّ قَمِيصِي أَتَوَارَى بِهِ فِي الْجُبِّ! فَقَالُوا: ادْعُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا تُؤْنِسُكَ! قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرَ شَيْئًا، فَدَلُّوهُ فِي الْبِئْرِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ نِصْفَهَا أَلْقُوهُ إِرَادَةَ أَنْ يَمُوتَ. وَكَانَ فِي الْبِئْرِ مَاءٌ فَسَقَطَ فِيهِ، ثُمَّ أَوَى إِلَى صَخْرَةٍ فِيهَا فَقَامَ عَلَيْهَا. قَالَ: فَلَمَّا أَلْقُوهُ فِي الْبِئْرِ، جَعَلَ يَبْكِي، فَنَادَوْهُ، فَظَنَّ أَنَّهَا رَحْمَةٌ أَدْرَكَتْهُمْ، فَلَبَّاهُمْ، فَأَرَادُوا أَنْ يَرْضِخُوهُ بِصَخْرَةٍ فَيَقْتُلُوهُ، فَقَامَ يَهُوذَا فَمَنَعَهُمْ، وَقَالَ: قَدْ أَعْطَيْتُمُونِي مُوَثَّقًا أَنْ لَا تَقْتُلُوهُ! وَكَانَ يَهُوذَا يَأْتِيهِ بِالطَّعَامِ. وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا} فَأُدْخِلَتْ "الوَاوُ" فِي الْجَوَابِ، كَمَا قَالَ امْرِؤُ الْقَيْسِ: فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى *** بِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي قِفَافِ عَقَنْقَلِ فَأَدْخَلَ الْوَاوَ فِي جَوَابِ"لَمَّا"، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ: فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ، انْتَحَى بِنَا، وَكَذَلِكَ: {فَلَمَّا ذَهَبُوا وَأَجْمَعُوا}، لِأَنَّ قَوْلَهُ: "أَجْمَعُوا" هُوَ الْجَوَابُ. وَقَوْلُهُ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ}، يَقُولُ: وَأَوْحَيْنَا إِلَى يُوسُفَ لَتُخْبِرَنَّ إِخْوَتَكَ {بِأَمْرِهِمْ هَذَا} يَقُولُ: بِفِعْلِهِمْ هَذَا الَّذِي فَعَلُوهُ بِكَ {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} يَقُولُ: وَهُمْ لَا. يَعْلَمُونَ وَلَا يَدْرُونَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى يُوسُفَ أَنَّ يُوسُفَ سَيُنْبِئُ إِخْوَتَهُ بِفِعْلِهِمْ بِهِ مَا فَعَلُوهُ: مِنْ إِلْقَائِهِ فِي الْجُبِّ، وَبَيْعِهِمْ إِيَّاهُ، وَسَائِرِ مَا صَنَعُوا بِهِ مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَإِخْوَتُهُ لَا يَشْعُرُونَ بِوَحْيِ اللَّهِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} إِلَى يُوسُفَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا} قَالَ: أَوْحَيْنَا إِلَى يُوسُفَ: لَتُنَبِئَنَّ إِخْوَتَكَ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: أُوحِيَ إِلَى يُوسُفَ وَهُوَ فِي الْجُبِّ أَنْ سَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا صَنَعُوا، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِذَلِكَ الْوَحْيِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}، قَالَ: إِلَى يُوسُفَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَوْحَيْنَا إِلَى يُوسُفَ بِمَا إِخْوَتُهُ صَانِعُونَ بِهِ، وَإِخْوَتُهُ لَا يَشْعُرُونَ بِإِعْلَامِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}، بِمَا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ يُوسُفَ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَهُوَ فِي الْبِئْرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}، قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى يُوسُفَ وَهُوَ فِي الْجُبِّ أَنْ يُنَبِّئَهُمْ بِمَا صَنَعُوا بِهِ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِذَلِكَ الْوَحْيِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوِيدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَنْ سَيُنَبِّئَهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ يُوسُفَ سَيُنْبِئُهُمْ بِصَنِيعِهِمْ بِهِ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّهُ يُوسُفُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} يَقُولُ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّهُ يُوسُفُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عُبَادَةَ الْأَسَدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمَّا دَخَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، قَالَ: جِيءَ بِالصُّوَاعِ، فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيُخْبِرَنِي هَذَا الْجَامُ أَنَّهُ كَانَ لَكُمْ أَخٌ مِنْ أَبِيكُمْ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ، يُدْنِيهِ دُونَكُمْ، وَإِنَّكُمُ انْطَلَقْتُمْ بِهِ فَأَلْقَيْتُمُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ! قَالَ: ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ فَأَتَيْتُمْ أَبَاكُمْ فَقُلْتُمْ: إِنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ، وَجِئْتُمْ عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ! قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الْجَامَ لَيُخْبِرَهُ بِخَبَرِكُمْ! قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا نَرَى هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِيهِمْ: {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ أَبَاهُمْ، بَعْدَ مَا أَلْقَوْا يُوسُفَ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ عِشَاءً يَبْكُونَ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: (نَسْتَبِقُ) نَنْتَضِلُ مِنْ "السِّبَاقِ" كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: أَقْبَلُوا عَلَى أَبِيهِمْ عِشَاءً يَبْكُونَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَصْوَاتَهُمْ فَزِعَ وَقَالَ: مَا لَكُمْ يَا بُنَيَّ؟ هَلْ أَصَابَكُمْ فِي غَنَمِكُمْ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: فَمَا فَعَلَ يُوسُفُ؟ قَالُوا: {يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} ! فَبَكَى الشَّيْخُ وَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، وَقَالَ: أَيْنَ الْقَمِيصُ؟ فَجَاءُوهُ بِالْقَمِيصِ عَلَيْهِ دَمٌ كَذِبٌ، فَأَخَذَ الْقَمِيصَ فَطَرَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى تَخَضَّبَ وَجْهُهُ مِنْ دَمِ الْقَمِيصِ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا}، يَقُولُونَ: وَمَا أَنْتَ بِمُصَدِّقِنَا عَلَى قَيْلِنَا: إِنَّ يُوسُفَ أَكَلَهُ الذِّئْبُ، وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ! كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} قَالَ: بِمُصَدِّقٍ لَنَا ! [فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} وَقَوْلُهُ]: {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}، إِمَّا خَبَرٌ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ غَيْرُ صَادِقِينَ، فَذَلِكَ تَكْذِيبٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ أَوْ خَبَرٌ مِنْهُمْ عَنْ أَبِيهِمْ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُمْ لَوْ صَدَقُوهُ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُمْ لَوْ صَدَقُوا أَبَاهُمُ الْخَبَرَ صَدَّقَهُمْ؟ قِيلَ: لَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا أَنْتَ بِمُصَدِّقٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ الَّذِينَ لَا يُتَّهَمُونَ، لِسُوءِ ظَنِّكَ بِنَا، وَتُهْمَتِكَ لَنَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}، وَسَمَّاهُ اللَّهُ "كَذِبًا" لِأَنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْقَمِيصِ وَهُوَ فِيهِ، كَذَبُوا، فَقَالُوا لِيَعْقُوبَ: "هُوَ دَمُ يُوسُفَ"، وَلَمْ يَكُنْ دَمَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ دَمَ سَخْلَةٍ، فِيمَا قِيلَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} قَالَ: دَمُ سَخْلَةٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} قَالَ: دَمُ سَخْلَةٍ، شَاةً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {بِدَمٍ كَذِبٍ} قَالَ: دَمُ سَخْلَةٍ يَعْنِي: شَاةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {بِدَمٍ كَذِبٍ} قَالَ: دَمُ سَخْلَةٍ، شَاةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {بِدَمٍ كَذِبٍ} قَالَ: كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ كَذِبًا، لَمْ يَكُنْ دَمَ يُوسُفَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {بِدَمٍ كَذِبٍ} قَالَ: دَمُ سَخْلَةٍ، شَاةً. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {بِدَمٍ كَذِبٍ} قَالَ: بِدَمِ سَخْلَةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: ذَبَحُوا جَدْيًا مِنَ الْغَنَمِ، ثُمَّ لَطَّخُوا الْقَمِيصَ بِدَمِهِ، ثُمَّ أَقْبَلُوا إِلَى أَبِيهِمْ، فَقَالَ يَعْقُوبُ: إِنْ كَانَ هَذَا الذِّئْبُ لَرَحِيمًا! كَيْفَ أَكَلَ لَحْمَهُ وَلَمْ يَخْرُقْ قَمِيصَهُ؟ يَا بُنَيَّ، يَا يُوسُفُ مَا فَعَلَ بِكَ بَنُو الْإِمَاءِ! حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} قَالَ: لَوْ أَكَلَهُ السَّبْعُ لَخَرَقَ الْقَمِيصَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ لَخَرَّقَ الْقَمِيصَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}، قَالَ: لَوْ كَانَ الذِّئْبُ أَكَلَهُ لَخَرَّقَهُ. حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: جِيءَ بِقَمِيصِ يُوسُفَ إِلَى يَعْقُوبَ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَيَرَى أَثَرَ الدَّمِ، وَلَا يَرَى فِيهِ خَرْقًا، قَالَ: يَا بَنِيَّ مَا كُنْتُ أَعْهَدُ الذِّئْبَ حَلِيمًا؟ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقْدِيُّ، عَنْ قُرَّةٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: لَمَّا جَاءُوا بِقَمِيصِ يُوسُفَ، فَلَمْ يَرَ يَعْقُوبُ شَقًّا، قَالَ: يَا بَنِيَّ، وَاللَّهِ مَا عَهِدْتُ الذِّئْبَ حَلِيمًا؟ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ عُمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا جَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ بِقَمِيصِهِ إِلَى أَبِيهِمْ، قَالَ: جَعَلَ يُقَلِّبُهُ فَيَقُولُ: مَا عَهِدْتُ الذِّئْبَ حَلِيمًا؟ أَكَلَ ابْنِي، وَأَبْقَى عَلَى قَمِيصِهِ! حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} قَالَ: لَمَّا أَتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ يَعْقُوبَ بِقَمِيصِهِ، قَالَ: مَا أَرَى أَثَرَ سَبْعٍ وَلَا طَعْنٍ، وَلَا خَرْقٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {بِدَمٍ كَذِبٍ} الدَّمُ الْكَذِبُ، لَمْ يَكُنْ دَمَ يُوسُفَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: ذَبَحُوا جَدْيًا وَلَطَّخُوهُ مِنْ دَمِهِ. فَلَمَّا نَظَرَ يَعْقُوبُ إِلَى الْقَمِيصِ صَحِيحًا، عَرَفَ أَنَّ الْقَوْمَ كَذَّبُوهُ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ كَانَ هَذَا الذِّئْبُ لَحَلِيمًا، حَيْثُ رَحِمَ الْقَمِيصَ وَلَمْ يَرْحَمْ ابْنِي! فَعَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سَيْفَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} قَالَ: لَمَّا أُتِيَ يَعْقُوبُ بِقَمِيصِ يُوسُفَ، فَلَمْ يَرَ فِيهِ خَرْقًا، قَالَ: كَذَبْتُمْ، لَوْ أَكَلَهُ السَّبْعُ لَخَرَقَ قَمِيصَهُ ! حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، وَيُعْلَى، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ فِي قَمِيصِ يُوسُفَ ثَلَاثُ آيَاتٍ: حِينَ جَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ. قَالَ: وَقَالَ يَعْقُوبُ: لَوْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ لَخَرَقَ قَمِيصَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي قَمِيصِ يُوسُفَ ثَلَاثُ آيَاتٍ: حِينَ أُلْقِيَ عَلَى وَجْهِ أَبِيهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا، وَحِينَ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ، وَحِينَ جَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ فِي قَمِيصِ يُوسُفَ ثَلَاثُ آيَاتٍ: الشَّقُّ، وَالدَّمُ، وَأَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِ أَبِيهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا جِيءَ بِقَمِيصِ يُوسُفَ إِلَى يَعْقُوبَ، فَرَأَى الدَّمَ وَلَمْ يَرَ الشَّقَّ قَالَ: مَا عَهِدْتُ الذِّئْبَ حَلِيمًا؟ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، بِمِثْلِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ قِيلَ: {بِدَمٍ كَذِبٍ} وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ كَانَ دَمًا لَا شَكٌّ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ دَمَ يُوسُفَ؟ قِيلَ: فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قِيلَ {بِدَمٍ كَذِبٍ} لِأَنَّهُ كُذِبَ فِيهِ كَمَا يُقَالُ": اللَّيْلَةَ الْهِلَالُ"، وَكَمَا قِيلَ: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ]. وَذَلِكَ قَوْلٌ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُهُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى"مَفْعُولٍ". وَتَأْوِيلُهُ: وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ مَكْذُوبٍ كَمَا يُقَالُ: "مَا لَهُ عَقْلٌ وَلَا مَعْقُولٌ"، وَ"لَا لَهُ جَلَدٌ وَلَا لَهُ مَجْلُودٌ". وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا، تَضَعُ"مَفْعُولًا" فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ، وَالْمَصْدَرِ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولٍ، كَمَا قَالَ الرَّاعِي: حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكُوا لِعِظَامِهِ *** لَحْمًا وَلَا لِفُؤَادِهِ مَعْقُولَا وَذَلِكَ كَانَ يَقُولُهُ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ. وَقَوْلُهُ: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ الَّذِينَ أَخْبَرُوهُ أَنَّ الذِّئْبَ أَكَلَ يُوسُفَ مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي خَبَرِهُمْ ذَلِكَ: مَا الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ، {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} يَقُولُ: بَلْ زَيَّنَتْ لَكُمْ أَنْفُسَكُمْ أَمْرًا فِي يُوسُفَ وَحَسَّنَتْهُ، فَفَعَلْتُمُوهُ كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا}، قَالَ: يَقُولُ: بَلْ زَيَّنَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا. وَقَوْلُهُ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} يَقُولُ: فَصَبْرِي عَلَى مَا فَعَلْتُمْ بِي فِي أَمْرِ يُوسُفَ صَبْرٌ جَمِيلٌ أَوْ فَهُوَ صَبْرٌ جَمِيلٌ. وَقَوْلُهُ {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} يَقُولُ: وَاللَّهَ أَسْتَعِينُ عَلَى كِفَايَتِي شَرَّ مَا تَصِفُونَ مِنَ الْكَذِبِ. وَقِيلَ": إِنَّ الصَّبْرَ الْجَمِيلَ"، هُوَ الصَّبْرُ الَّذِي لَا جَزَعَ فِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} قَالَ: لَيْسَ فِيهِ جَزَعٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فِي غَيْرِ جَزَعٍ. قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ حَبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} قَالَ: صَبْرٌ لَا شَكْوَى فِيهِ. قَالَ: مَنْ بَثٍّ فَلَمْ يَصْبِر». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، عَنْ حَبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} قَالَ: صَبْرٌ لَا شَكْوَى فِيه». قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}: لَيْسَ فِيهِ جَزَعٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}: قَالَ: فِي غَيْرِ جَزَعٍ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: يُقَالُ: ثَلَاثٌ مِنَ الصَّبْرِ: أَنْ لَا تُحَدِّثَ بِوَجَعِكَ، وَلَا بِمُصِيبَتِكَ، وَلَا تُزَكِّي نَفْسَكَ قَالَ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ: أَنَّ يَعْقُوبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ، فَكَانَ يَرْفَعُهُمَا بِخِرْقَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: طُولُ الزَّمَانِ، وَكَثْرَةُ الْأَحْزَانِ! فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِ: يَا يَعْقُوبُ، أَتَشْكُونِي؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَطِيئَةٌ أَخْطَأْتُهَا، فَاغْفِرْهَا لِي. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} أَيْ عَلَى مَا تَكْذِبُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةًوَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَاءَتْ مَارَّةُ الطَّرِيقِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} وَهُوَ الَّذِي يَرِدُ الْمَنْهَلَ وَالْمَنْـزِلَ، وَ"وُرُودُهُ إِيَّاهُ"، مَصِيرُهُ إِلَيْهِ وَدُخُولُهُ. {فَأَدْلَى دَلْوَهُ} يَقُولُ: أَرْسَلَ دَلْوَهُ فِي الْبِئْرِ. يُقَالُ: "أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ فِي الْبِئْرِ" إِذَا أَرْسَلْتَهَا فِيهِ، فَإِذَا اِسْتَقَيْتَ فِيهَا قُلْتَ: "دَلَوْتُ أدْلُو دَلْوًا". وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ، اِسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ، فَتُرِكَ، وَذَلِكَ: {فَأَدْلَى دَلْوَهُ} فَتَعَلَّقَ بِهِ يُوسُفُ، فَخَرَجَ، فَقَالَ الْمُدْلِي: {يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ}. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، جَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ} فَتَعَلَّقَ يُوسُفُ بِالْحَبْلِ، فَخَرَجَ، فَلَمَّا رَآهُ صَاحِبُ الْحَبْلِ نَادَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ" بُشْرَى ": {يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ} فَتَشَبَّثَ الْغُلَامُ بِالدَّلْوِ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: {يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} يَقُولُ: أَرْسَلُوا رَسُولَهُمْ، فَلَمَّا أَدْلَى دَلْوَهُ تَشَبَّثَ بِهَا الْغُلَامُ {قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ}. وَاخْتَلَفُوا فِيمَعْنَى قَوْلِهِ: {يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ تَبْشِيرٌ مِنْ الْمُدْلِي دَلْوَهُ أَصْحَابَهُ، فِي إِصَابَتِهِ يُوسُفَ بِأَنَّهُ أَصَابَ عَبْدًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ} تَبَاشَرُوا بِهِ حِينَ أَخْرَجُوهُ. وَهِيَ بِئْرٌ بِأَرْضِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعْلُومٌ مَكَانُهَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ} قَالَ: بَشَّرَهُمْ وَارِدُهُمْ حِينَ وَجَدَ يُوسُفَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ اِسْمُ رَجُلٍ مِنْ السَّيَّارَةِ بِعَيْنِهِ، نَادَاهُ الْمُدْلِي لَمَّا خَرَجَ يُوسُفُ مِنْ الْبِئْرِ مُتَعَلِّقًا بِالْحَبْلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا اِبْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ: {يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ} قَالَ: نَادَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ" بُشْرَى "، فَقَالَ: {يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ} قَالَ: كَانَ اِسْمُ صَاحِبِهِ" بُشْرَى ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظَهِيرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ} قَالَ: اِسْمُ الْغُلَامِ" بُشْرَى "؛ قَالَ: "يَا بُشْرَى "، كَمَا تَقُولُ: " يَا زَيْدُ". وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ: فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: " يَا بُشْرَيَّ" بِإِثْبَاتِ يَاءِ الْإِضَافَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَدْغَمَ الْأَلِفَ فِي الْيَاءِ طَلَبًا لِلْكَسْرَةِ الَّتِي تَلْزَمُ مَا قَبْلَ يَاءِ الْإِضَافَةِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، فِي قَوْلِهِمْ: ” غُلَامِي" وَ"جَارِيَتِي"، فِي كُلِّ حَالٍ، وَذَلِكَ مِنْ لُغَةِ طَيِّئٍ، كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ: سَـبَقوا هَـوَيَّ وأَعْنَقُـوا لِهَـوَاهُمُ *** فَتُخـُرِّمُوا وَلِكُـلِّ جَـنْبٍ مَصْـرَعُ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ: (يَا بُشْرَى) بِإِرْسَالِ الْيَاءِ وَتَرْكِ الْإِضَافَةِ. وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ مِنَ التَّأْوِيلِ: أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اسْمَ رَجُلٍ دَعَاهُ الْمُسْتَقِي بِاسْمِهِ، كَمَا يُقَالُ: “يَا زَيْدُ “، وَ“يَا عَمْرُو “، فَيَكُونُ “بُشْرَى “ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالنِّدَاءِ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ إِضَافَةَ الْبُشْرَى إِلَى نَفْسِهِ، فَحَذَفَ الْيَاءَ وَهُوَ يُرِيدُهَا، فَيَكُونُ مُفْرَدًا وَفِيهِ نِيَّةُ الْإِضَافَةِ، كَمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي النِّدَاءِ فَتَقُولُ: “يَا نَفْسُ اصْبِرِي “، وَ“يَا نَفْسِي اصْبِرِي “، وَ“يَا بُنَيُّ لَا تَفْعَلْ “، وَ“يَا بُنَيَّ لَا تَفْعَلْ “، فَتُفْرِدُ وَتَرْفَعُ، وَفِيهِ نِيَّةُ الْإِضَافَةِ. وَتُضِيفُ أَحْيَانًا فَتَكْسِرُ، كَمَا تَقُولُ: “يَا غُلَامِ أَقْبِلْ “، وَ“يَا غُلَامِي أَقْبِلْ “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ إِلَيَّ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِإِرْسَالِ الْيَاءِ وَتَسْكِينِهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ اسْمَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ كَانَ مَعْرُوفًا فِيهِمْ كَمَا قَالَ السُّدِّيُّ، فَتِلْكَ هِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ لَا شَكَّ فِيهَا. وَإِنْ كَانَ مِنَ التَّبْشِيرِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنْتُ. وَأَمَّا التَّشْدِيدُ وَالْإِضَافَةُ فِي الْيَاءِ، فَقِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ، لَا أَرَى الْقِرَاءَةَ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لُغَةً مَعْرُوفَةً؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأَة عَلَى خِلَافِهَا. وَأَمَّاقَوْلُهُ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَسَرَّهُ الْوَارِدُ الْمُسْتَقِي وَأَصْحَابُهُ مِنَ التُّجَّارِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمْ، وَقَالُوا لَهُمْ: “ هُوَ بِضَاعَةٌ اسْتَبْضَعْنَاهَا بَعْضَ أَهْلِ مِصْرَ “؛ لِأَنَّهُمْ خَافُوا إِنْ عَلِمُوا أَنَّهُمُ اشْتَرَوْهُ بِمَا اشْتَرَوْهُ بِهِ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُمْ فِيهِ الشَّرِكَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} قَالَ: صَاحِبُ الدَّلْوِ وَمَنْ مَعَهُ، قَالُوا لِأَصْحَابِهِمْ: “إِنَّمَا اسْتَبْضَعْنَاهُ “، خِيفَةً أَنْ يُشْرِكُوهُمْ فِيهِ إِنْ عَلِمُوا بِثَمَنِهِ. وَتَبِعَهُمْ إِخْوَتُهُ يَقُولُونَ لِلْمُدْلِي وَأَصْحَابِهِ: اسْتَوْثِقْ مِنْهُ لَا يَأْبَقُ! حَتَّى وَقَفُوهُ بِمِصْرَ، فَقَالَ: مَنْ يَبْتَاعُنِي وَيُبَشَّرُ؟ فَاشْتَرَاهُ الْمَلِكُ، وَالْمَلِكُ مُسْلِمٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: خِيفَةً أَنْ يَسْتَشْرِكُوهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِهِ، وَاتَّبَعَهُمْ إِخْوَتُهُ يَقُولُونَ لِلْمُدْلِي وَأَصْحَابِهِ: اسْتَوْثِقُوا مِنْهُ لَا يَأْبَقُ! حَتَّى وَاقْفُوهُ بِمِصْرَ. وَسَائِرُ الْحَدِيثِ مِثْلُ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: خِيفَةً أَنْ يُشَارِكُوهُمْ فِيهِ، إِنْ عَلِمُوا بِثَمَنِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: خِيفَةً أَنْ يَسْتَشْرِكُوهُمْ فِيهِ إِنْ عَلِمُوا ثَمَنَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: حَتَّى أَوْقَفُوهُ بِمِصْرَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} قَالَ: لَمَّا اشْتَرَاهُ الرَّجُلَانِ فَرَقَا مِنَ الرُّفْقَةِ أَنْ يَقُولُوا: “ اشْتَرَيْنَاهُ “ فَيَسْأَلُونَهُمُ الشَّرِكَةَ، فَقَالَا إِنْ سَأَلُونَا مَا هَذَا؟ قُلْنَا بِضَاعَةٌ اسْتَبْضَعْنَاهُ أَهْلَ الْمَاءِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} بَيْنَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَسَرَّهُ التُّجَّارُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} قَالَ: أَسَرَّهُ التُّجَّارُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} قَالَ: أَسَرَّهُ التُّجَّارُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَسَرُّوا بَيْعَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَمِّرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} قَالَ: أَسَرُّوا بَيْعَهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} قَالَ: قَالُوا لِأَهْلِ الْمَاءِ: إِنَّمَا هُوَ بِضَاعَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنِيَ بِقَوْلِهِ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} إِخْوَةَ يُوسُفَ، أَنَّهُمْ أَسَرُّوا شَأْنَ يُوسُفَ أَنْ يَكُونَ أَخَاهُمْ، قَالُوا: هُوَ عَبْدٌ لَنَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} يَعْنِي: إِخْوَةَ يُوسُفَ أَسَرُّوا شَأْنَهُ وَكَتَمُوا أَنْ يَكُونَ أَخَاهُمْ، فَكَتَمَ يُوسُفُ شَأْنَهُ مَخَافَةَ أَنْ تَقْتُلَهُ إِخْوَتُهُ، وَاخْتَارَ الْبَيْعَ. فَذَكَرَهُ إِخْوَتُهُ لِوَارِدِ الْقَوْمِ، فَنَادَى أَصْحَابَهُ قَالَ: يَا بُشْرَى! هَذَا غُلَامٌ يُبَاعُ. فَبَاعَهُ إِخْوَتُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: “وَأَسَرَّ وَارِدُ الْقَوْمِ الْمُدْلِي دَلْوَهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْ رُفْقَتِهِ السَّيَّارَةِ، أَمْرَ يُوسُفَ أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ، خِيفَةً مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَشْرِكُوهُمْ، وَقَالُوا لَهُمْ: هُوَ بِضَاعَةٌ أَبْضَعَهَا مَعَنَا أَهْلُ الْمَاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُ عَقِيبُ الْخَبَرِ عَنْهُ، فَلَأَنْ يَكُونَ مَا وَلِيَهُ مِنَ الْخَبَرِ خَبَرًا عَنْهُ، أَشْبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّنْ هُوَ بِالْخَبَرِ عَنْهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ ذُو عِلْمٍ بِمَا يَعْمَلُهُ بَاعَةُ يُوسُفَ وَمُشْتَرُوهُ فِي أَمْرِهِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَ تَغْيِيرَ ذَلِكَ لِيَمْضِيَ فِيهِ وَفِيهِمْ حُكْمُهُ السَّابِقُ فِي عِلْمِهِ، وَلِيُرِيَ إِخْوَةَ يُوسُفَ وَيُوسُفَ وَأَبَاهُ قُدْرَتَهُ فِيهِ. وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ يُوسُفَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ تَذْكِيرٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَسْلِيَةً مِنْهُ لَهُ عَمَّا كَانَ يَلْقَى مِنْ أَقْرِبَائِهِ وَأَنْسِبَائِهِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْأَذَى فِيهِ، يَقُولُ: فَاصْبِرْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى مَا نَالَكَ فِي اللَّهِ، فَإِنِّي قَادِرٌ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَنَالُكَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، كَمَا كُنْتُ قَادِرًا عَلَى تَغْيِيرِ مَا لَقِيَ يُوسُفُ مِنْ إِخْوَتِهِ فِي حَالِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِهِ مَا فَعَلُوا، وَلَمْ يَكُنْ تَرْكِي ذَلِكَ لِهَوَانِ يُوسُفَ عَلَيَّ، وَلَكِنْ لِمَاضِي عِلْمِي فِيهِ وَفِي إِخْوَتِهِ، فَكَذَلِكَ تَرْكِي تَغْيِيرَ مَا يَنَالُكَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِغَيْرِ هَوَانٍ بِكَ عَلَيَّ، وَلَكِنْ لِسَابِقِ عِلْمِي فِيكَ وَفِيهِمْ، ثُمَّ يَصِيرُ أَمْرُكَ وَأَمْرُهُمْ إِلَى عُلُوِّكَ عَلَيْهِمْ، وَإِذْعَانِهِمْ لَكَ، كَمَا صَارَ أَمْرُ إِخْوَةِ يُوسُفَ إِلَى الْإِذْعَانِ لِيُوسُفَ بِالسُّؤْدُدِ عَلَيْهِمْ، وَعُلُوِّ يُوسُفَ عَلَيْهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: (وَشَرَوْهُ) بِهِ: وَبَاعَ إِخْوَةُ يُوسُفَ يُوسُفَ. فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ الْخَبَرَ عَنْ أَنَّهُ ابْتَاعَهُ، قَالَ: “اشْتَرَيْتُهُ “، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُفَرَّغٍ الْحِمْيَرِيِّ: وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِـي *** مِـنْ قَبْـلِ بُـرْدٍ كُـنْتُ هَامَـهْ يَقُولُ: “بِعْتُ بُرْدًا “، وَهُوَ عَبْدٌ كَانَ لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَرِهَ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ لِلْبَدَوِيِّ. قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: “اشْرِ لِي كَذَا وَكَذَا “، أَيْ: بِعْ لِي كَذَا وَكَذَا وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} يَقُولُ: بَاعُوهُ، وَكَانَ بَيْعُهُ حَرَامًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: إِخْوَةُ يُوسُفَ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا بَاعُوهُ حِينَ أَخْرَجَهُ الْمُدْلِي بِدَلْوِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِمَثَلِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ (وَشَرَوْهُ) قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَبِيعَ بَيْنَهُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ، فِي قَوْلِهِ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} قَالَ: بَاعُوهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَبَاعَهُ إِخْوَتُهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنِيَ بِقَوْلِهِ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} السَّيَّارَةَ أَنَّهُمْ بَاعُوا يُوسُفَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} وَهُمُ السَّيَّارَةُ الَّذِينَ بَاعُوهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: وَشَرَى إِخْوَةُ يُوسُفَ يُوسُفَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْبَرَ عَنِ الَّذِينَ اشْتَرَوْهُ أَنَّهُمْ أَسَرُّوا شِرَاءَ يُوسُفَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ، خِيفَةَ أَنْ يَسْتَشْرِكُوهُمْ، بِادِّعَائِهِمْ أَنَّهُ بِضَاعَةٌ. وَلَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ إِلَّا رَغْبَةً فِيهِ أَنْ يَخْلُصَ لَهُمْ دُونَهُمْ، وَاسْتِرْخَاصًا لِثَمَنِهِ الَّذِي ابْتَاعُوهُ بِهِ، لِأَنَّهُمُ ابْتَاعُوهُ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {بِثَمَنٍ بَخْسٍ}. وَلَوْ كَانَ مُبْتَاعُوهُ مِنْ إِخْوَتِهِ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ، لَمْ يَكُنْ لِقَيْلِهِمْ لِرُفَقَائِهِمْ: “هُوَ بِضَاعَةٌ “، مَعْنًى وَلَا كَانَ لِشِرَائِهِمْ إِيَّاهُ، وَهُمْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ وَجْهٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونُوا كَانُوا مَغْلُوبًا عَلَى عُقُولِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَشْتَرِيَ صَحِيحُ الْعَقْلِ مَا هُوَ فِيهِ زَاهِدٌ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهِ مُكْرِهٍ لَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَكْذُبُ فِي أَمْرِهِ النَّاسَ بِأَنْ يَقُولَ: “هُوَ بِضَاعَةٌ لَمْ أَشْتَرِهِ “، مَعَ زُهْدِهِ فِيهِ. بَلْ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ قَوْلِ مَنْ هُوَ بِسِلْعَتِهِ ضَنِينٌ لِنَفَاسَتِهَا عِنْدَهُ، وَلِمَا يَرْجُو مِنْ نَفِيسِ الثَّمَنِ لَهَا وَفَضْلِ الرِّبْحِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (بَخْسٍ) فَإِنَّهُ يَعْنِي: نَقْصٍ. وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: “بَخَسْتُ فُلَانًا حَقَّهُ: “ إِذَا ظَلَمْتُهُ، يَعْنِي: ظَلَمَهُ فَنَقَصَهُ عَمَّا يَجِبُ لَهُ مِنَ الْوَفَاءِ: “أَبْخَسُهُ بَخْسًا “، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 85]، وَإِنَّمَا أُرِيدَ: بِثَمَنٍ مَبْخُوسٍ مَنْقُوصٍ، فَوَضَعَ “الْبَخْسَ “ وَهُوَ مَصْدَرٌ مَكَانَ “مَفْعُولٍ “، كَمَا قِيلَ: {بِدَمٍ كَذِبٍ} وَإِنَّمَا هُوَ “بِدَمٍ مَكْذُوبٍ فِيهِ “. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} لِأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَاكِ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} قَالَ: “الْبَخْسُ: “ الْحَرَامُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ:: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ}، قَالَ: حَرَامٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَاكَ يَقُولُ: كَانَ ثَمَنُهُ بَخْسًا، حَرَامًا، لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ، فِي قَوْلِهِ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} قَالَ: بَاعُوهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، قَالَ: كَانَ بَيْعُهُ حَرَامًا وَشِرَاؤُهُ حَرَامًا.
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَاكِ: {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} قَالَ: حَرَامٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} يَقُولُ: لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا ثَمَنَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الْبَخْسِ هُنَا: الظُّلْمُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} قَالَ: “ الْبَخْسُ: “ هُوَ الظُّلْمُ. وَكَانَ بَيْعُ يُوسُفَ وَثَمَنُهُ حَرَامًا عَلَيْهِمْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمَّرٍٍ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} قَالَ: ظُلْمٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِالْبَخْسِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْقَلِيلُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قَيْسٍٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: “الْبَخْسُ: “ الْقَلِيلُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ بَاعُوهُ بِدَرَاهِمَ غَيْرِ مَوْزُونَةٍ، نَاقِصَةٍ غَيْرِ وَافِيَةٍ، لِزُهْدِهِمْ كَانَ فِيهِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ “مَعْدُودَةٍ “ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنَ الْأَرْبَعِينَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا يَزِنُونَ مَا كَانَ وَزْنُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، لِأَنَّ أَقَلَّ أَوْزَانِهِمْ وَأَصْغَرَهَا كَانَ الْأُوقِيَّةَ، وَكَانَ وَزْنُ الْأُوقِيَّةِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. قَالُوا: إِنَّمَا دَلَّ بِقَوْلِهِ: (مَعْدُودَةٍ) عَلَى قِلَّةِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي بَاعُوهُ بِهَا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ مَا اشْتُرِيَ بِهِ يُوسُفُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} قَالَ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نُوفٍ الْبِكَالِيِّ، فِي قَوْلِهِ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} قَالَ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نُوفٍ الشَّامِيِّ: “بَخْسٍ دَرَاهِمَ “ قَالَ: كَانَتْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نُوفٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} قَالَ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} قَالَ: كَانَتْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ بِيعَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عَطِيَّةَ، قَالَ: كَانَتِ الدَّرَاهِمُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، اقْتَسَمُوهَا دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ عَدَدُهَا اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ، وَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ مِنْهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} قَالَ: اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} قَالَ: اثْنَانِ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا لِإِخْوَةِ يُوسُفَ، [وَكَانَ إِخْوَةُ] أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ}. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} قَالَ: أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: بَاعُوهُ وَلَمْ يَبْلُغْ ثَمَنُهُ الَّذِي بَاعُوهُ بِهِ أُوقِيَّةً، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِالْأَوَاقِي، فَمَا قَصُرَ عَنِ الْأُوقِيَّةِ فَهُوَ عَدَدٌ؛ يَقُولُ اللَّهُ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} أَيْ لَمْ يَبْلُغِ الْأُوقِيَّةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ بَاعُوهُ بِدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ غَيْرِ مَوْزُونَةٍ، وَلَمْ يَحُدَّ مَبْلَغَ ذَلِكَ بِوَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ، وَلَا وَضَعَ عَلَيْهِ دَلَالَةً فِي كِتَابٍ وَلَا خَبَرٍ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ عِشْرِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَأَنْ يَكُونَ كَانَ أَرْبَعِينَ، وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ، وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ مَعْدُودَةً غَيْرَ مَوْزُونَةٍ؛ وَلَيْسَ فِي الْعِلْمِ بِمَبْلَغِ وَزْنِ ذَلِكَ فَائِدَةٌ تَقَعُ فِي دِينٍ، وَلَا فِي الْجَهْلِ بِهِ دُخُولُ ضُرٍّ فِيهِ. وَالْإِيمَانُ بِظَاهِرِ التَّنْـزِيلِ فَرْضٌ، وَمَا عَدَاهُ فَمَوْضُوعٌ عَنَّا تَكَلُّفُ عِلْمِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فِي يُوسُفَ مِنَ الزَّاهِدِينَ، لَا يَعْلَمُونَ كَرَامَتَهُ عَلَى اللَّهِ، وَلَا يَعْرِفُونَ مَنْـزِلَتَهُ عِنْدَهُ، فَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُحِبُّونَ أَنْ يَحُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهِ، لِيَخْلُوَ لَهُمْ وَجْهُهُ مِنْهُ، وَيَقْطَعُوهُ عَنِ الْقُرْبِ مِنْهُ، لِتَكُونَ الْمَنَافِعُ الَّتِي كَانَتْ مَصْرُوفَةً إِلَى يُوسُفَ دُونَهُمْ، مَصْرُوفَةً إِلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} قَالَ: لَمْ يَعْلَمُوا بِنُبُوَّتِهِ وَمَنْـزِلَتِهِ مِنَ اللَّهِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَاكَ، فِي قَوْلِهِ: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ} فَنَـزَلَتْ عَلَى الْجُبِّ، {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} فَاسْتَقَى مِنَ الْمَاءِ فَاسْتَخْرَجَ يُوسُفَ، فَاسْتَبْشَرُوا بِأَنَّهُمْ أَصَابُوا غُلَامًا لَا يَعْلَمُونَ عِلْمَهُ وَلَا مَنْـزِلَتَهُ مِنْ رَبِّهِ، فَزَهِدُوا فِيهِ، فَبَاعُوهُ. وَكَانَ بَيْعُهُ حَرَامًا، وَبَاعُوهُ بِدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَاكِ: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} قَالَ إِخْوَتُهُ زَهِدُوا، فَلَمْ يَعْلَمُوا مَنْـزِلَتَهُ مِنَ اللَّهِ وَنُبُوَّتَهُ وَمَكَانَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: إِخْوَتُهُ زَهِدُوا فِيهِ، لَمْ يَعْلَمُوا مَنْـزِلَتَهُ مِنَ اللَّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَى يُوسُفَ مِنْ بَائِعِهِ بِمِصْرَ. وَذُكِرَ أَنَّ اسْمَهُ: “ قِطْفِيرُ “. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ اسْمُ الَّذِي اشْتَرَاهُ قِطْفِيرَ. وَقِيلَ: إِنَّ اسْمَهُ إطْفِيرُ بْنُ رُوحِيبَ، وَهُوَ الْعَزِيزُ، وَكَانَ عَلَى خَزَائِنِ مِصْرَ، وَكَانَ الْمَلِكُ يَوْمئِذٍ الرَّيَّانُ بْنُ الْوَلِيدِ، رَجُلٌ مِنَ الْعَمَالِيقِ، كَذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي بَاعَهُ بِمِصْرَ كَانَ مَالِكُ بْنُ ذَعْرَ بْنِ بُوَيْبَ بْنِ عَفَقَانَ بْنِ مِدْيَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ}، وَاسْمُهَا فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ: رَاعِيلُ بِنْتُ رَعَائِيلَ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}، يَقُولُ: أَكْرِمِي مَوْضِعَ مَقَامِهِ، وَذَلِكَ حَيْثُ يَثْوِي وَيُقِيمُ فِيهِ. يُقَالُ: “ثَوَى فُلَانٌ بِمَكَانِ كَذَا“: إِذَا أَقَامَ فِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} مَنْـزِلَتَهُ، وَهِيَ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}، قَالَ: مَنْـزِلَتَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ اشْتَرَاهُ الْمَلِكُ، وَالْمَلِكُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ: {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} ذُكِرَ أَنَّ مُشْتَرِيَ يُوسُفَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لِامْرَأَتِه، حِينَ دَفَعَهُ إِلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، وَلَمْ يَأْتِ النِّسَاءَ، فَقَالَ لَهَا: أَكْرِمِيهِ عَسَى أَنْ يَكْفِيَنَا بَعْضَ مَا نُعَانِي مِنْ أُمُورِنَا إِذَا فَهِمَ الْأُمُورَ الَّتِي يُكلَّفُهَا وَعَرَفَهَا {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}، يَقُولُ: أَوْ نَتَبَنَّاهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ إِطْفِيرُ فِيمَا ذُكِرَ لِي رَجُلًا لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُرَاعِيلُامْرَأَةً حَسْنَاءَ نَاعِمَةً طَاعِمَةً، فِي مُلْكٍ وَدُنْيَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَفَرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ: الْعَزِيزُ حِينَ تَفَرَّسَ فِي يُوسُفَ فَقَالَ لِامْرَأَتِه: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ تَفَرَّسَ فِي عُمْرَ وَالَّتِي قَالَتْ: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 26]. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: انْطُلِقَ بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ، فَاشْتَرَاهُ الْعَزِيزُ مَلِكُ مِصْرَ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى بَيْتِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِه: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَفَرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ: الْعَزِيزُ حِينَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}، وَالْقَوْمُ فِيهِ زَاهِدُونَ وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ تَفَرَّسَ فِي عُمْرَ فَاسْتَخْلَفَهُ وَالْمَرْأَةُ الَّتِي قَالَتْ: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ}. وَقَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَمَا أَنْقَذْنَا يُوسُفَ مِنْ أَيْدِي إِخْوَتِهِ وَقَدْ هَمُّوا بِقَتْلِهِ، وَأَخْرَجْنَاهُ مِنَ الْجُبِّ بَعْدَ أَنْ أُلْقِيَ فِيهِ، فَصَيَّرْنَاهُ إِلَى الْكَرَامَةِ وَالْمَنْـزِلَةِ الرَّفِيعَةِ عِنْدَ عَزِيزِ مِصْرَ، كَذَلِكَ مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَجَعَلْنَاهُ عَلَى خَزَائِنِهَا. وَقَوْلُهُ: {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَيْ نُعَلِّمَ يُوسُفَ مِنْ عِبَارَةِ الرُّؤْيَا، مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ، كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} قَالَ: عِبَارَةُ الرُّؤْيَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} قَالَ: تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} قَالَ: عِبَارَةُ الرُّؤْيَا. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ مُسْتَوْلٍ عَلَى أَمْرِ يُوسُفَ، يَسُوسُهُ وَيُدَبِّرُهُ وَيَحُوطُهُ. وَ “الْهَاءُ “ فِي قَوْلِهِ: {عَلَى أَمْرِهِ} عَائِدَةٌ عَلَى يُوسُفَ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي مَعْنَى “غَالِبٌ “، مَا:- حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} قَالَ: فَعَّالٌ. وَقَوْلُهُ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} يَقُولُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ الَّذِينَ زَهِدُوا فِي يُوسُفَ، فَبَاعُوهُ بِثَمَنٍ خَسِيسٍ، وَالَّذِينَ صَارَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حِينَ بِيعَ فِيهِمْ، لَا يَعْلَمُونَ مَا اللَّهُ بِيُوسُفَ صَانِعٌ، وَإِلَيْهِ يُوسُفُ مِنْ أَمْرِهِ صَائِرٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمَّا بَلَغَ يُوسُفُ أَشُدَّهُ، يَقُولُ: وَلَمَّا بَلَغَ مُنْتَهَى شِدَّتِهِ وَقُوَّتِهِ فِي شَبَابِهِ وَحَدِّهِ، وَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ ثَمَانِي عَشْرَةَ إِلَى سِتِّينَ سَنَةً، وَقِيلَ إِلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً. يُقَالُ مِنْهُ: “ مَضَتْ أَشُدُّ الرَّجُلِ: “ أَيْ شِدَّتُهُ، وَهُوَ جَمْعٌ مِثْلُ “ الْأَضُرُّ “ وَ“ الْأَشُرُّ “، لَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ لَفْظِهِ. وَيَجِبُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ وَاحِدُهُ “ شُدٌّ “، كَمَا وَاحِدُ “ الْأَضُرُّ “ “ ضُرٌّ “، وَوَاحِدُ “الْأُشُرُّ “ “ شُرٌّ “، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: هَـلْ غَـيْرُ أَنْ كَـثُرَ الْأَشُـرُّ وَأَهْلَكَتْ *** حَـرْبُ المُلُـوكِ أَكَـاثِرَ الْأََمْـوَالِ وَقَالَ حُمَيْدٌ: وَقَـدْ أَتَـى لَـوْ تُعْتِـبُ الْعَـوَاذِلُ *** بَعْـدَ الْأَشُـدِّ أَرْبَـعٌ كَـوَامِلُ وَقَدّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي عَنَى اللَّهُ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ “ مَبْلَغِ الْأَشُدِّ “. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ}، قَالَ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حُدِّثْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْهَيْثَمِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَثِيمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} قَالَ: بِضْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِ عِشْرُونَ سَنَةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَاكِ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} قَالَ: عِشْرِينَ سَنَةً. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ مَرْضِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: مَا بَيْنَ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةٍ إِلَى ثَلَاثِينَ. وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى “ الْأَشُدِّ “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ آتَى يُوسُفَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَ“ الْأَشُدُّ: “ هُوَ انْتِهَاءُ قُوَّتِهِ وَشَبَابِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ آتَاهُ ذَلِكَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةٍ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ آتَاهُ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ آتَاهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا أَثَرَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا فِي إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، عَلَى أَيِّ ذَلِكَ كَانَ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَوْجُودًا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى تَثْبُتَ حُجَّةٌ بِصِحَّةِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، فَيُسَلَّمُ لَهَا حِينَئِذٍ. وَقَوْلُهُ: {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَعْطَيْنَاهُ حِينَئِذٍ الْفَهْمَ وَالْعِلْمَ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {حُكْمًا وَعِلْمًا} قَالَ: الْعَقْلُ وَالْعِلْمُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ. وَقَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمَا جَزَيْتُ يُوسُفَ فَآتَيْتُهُ بِطَاعَتِهِ إِيَّايَ الْحُكْمَ وَالْعِلْمَ، وَمَكَّنْتُهُ فِي الْأَرْضِ، وَاسْتَنْقَذْتُهُ مِنْ أَيْدِي إِخْوَتِهِ الَّذِينَ أَرَادُوا قَتْلَهُ، كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَحْسَنَ فِي عَمَلِهِ، فَأَطَاعَنِي فِي أَمْرِي، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَيْتُهُ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيَّ. وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُ ظَاهِرِهِ عَلَى كُلِّ مُحْسِنٍ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُحَمَّدٌ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَقُولُ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ: كَمَا فَعَلْتُ هَذَا بِيُوسُفَ مِنْ بَعْدِ مَا لَقِيَ مِنْ إِخْوَتِهِ مَا لَقِيَ، وَقَاسَى مِنَ الْبَلَاءِ مَا قَاسَى، فَمَكَّنْتُهُ فِي الْأَرْضِ، وَوَطَّأْتُ لَهُ فِي الْبِلَادِ، فَكَذَلِكَ أَفْعَلُ بِكَ فَأُنْجِيكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَكَ بِالْعَدَاوَةِ، وَأُمَكِّنُ لَكَ فِي الْأَرْضِ، وَأُوتِيكَ الْحُكْمَ وَالْعِلْمَ، لِأَنَّ ذَلِكَ جَزَائِي أَهْلَ الْإِحْسَانِ فِي أَمْرِي وَنَهْيِي. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} يَقُولُ: الْمُهْتَدِينَ.
|